الجزيرة

2008/10/15

شتان الفارق بين عشية1967وعشية 1973من أين جاء هذا الفارق






شتان الفارق بين عشية 5 يونيو 1967م، وعشية العاشر من رمضان 1393هـ الموافق السادس من أكتوبر 1973م، إذ كانت مشاعر الحزن والإحباط وخيبة الأمل هي السائدة في الأُولى، على حين كانت مشاعر الفرحة والأمل، والشكر البالغ لربِّ العالمين سبحانه وتعالى هي السائدة في الليلة الثانية...




فمن أين جاء هذا الفارق الشاسع بين الحالين؟




في الخامس من يونيو 1967م أُصِيب العالم العربي وخاصة مصر بهزيمة فادحة من العدو الصهيوني كان قوامها كالآتي:




خسرت مصر 80 بالمئة من معداتها العسكرية، وحوالي 11 الف جندي (أي ما يعادل حوالي 7 بالمئة من كل تعداد الجيش المصري)، وخسرت كذلك 1500 ضابط، وتم أسر 5000 جندي و500 ضابط مصري، وجُرِحَ 20 ألف جندي مصري، وخسر الأردن سبعة ألاف جندي، وجُرِحَ 20 ألفًا من جنوده، وخسرت سورية 2500 جندي، وجُرِح 5000 من جنودها، وفقدت نصف معداتها من دبابات وآليات ومدفعية وغيرها في هضبة الجولان؛ حيث غنمتها القوات الإسرائيلية، كما تم تدمير كل مواقعها في الهضبة المشار اليها، بينما كانت خسائر العراق الذي شارك بشكل رمزي (مثل لبنان حينها) عشرة قتلى و30 جريحا...




وبلغ مجموع خسائر الدول العربية (مصر والأردن وسورية) 400 طائرة، وأكثر من مليار دولار من الأسلحة التي دُمِّرت مع الساعات الأولى للمعارك (في بعض المصادر ملياري دولار)، بينما خسرت اسرائيل 338 جندي على الجبهة المصرية، و300 على الجبهة الأردنية، و141 على الجبهة السورية




وبالإضافة إلى ذلك كانت خسارة الأرض، حيث ضاعفت إسرائيل من مساحتها ثلاثة أضعاف ما كانته يوم الرابع من حزيران يونيو عام 1967م، واحتلَّت صحراء سيناء برمَّتها الى قناة السويس، والجولان، والضفة الغربية لنهر الأردن، وقطاع غزة التابع حينها لمصر، إضافة إلى عدد من المناطق المتفرقة مثل منطقة مزارع شبعا وغيره




وقد كان مما ضاعف من آثار هذه الكارثة على العرب والمسلمين أنها حدثت في حين كان جميعهم ينتظرون أن تدخل الجيوش العربية القدس، وتسحق إسرائيل، وتلقي بها في البحر؛ فقد كان الجميع يعيشون في وهم ضخم صنعه لهم المسئولون، وصوروا لهم فيه أن قوة هذه الدول لا تُقهَر، وأن إسرائيل لا حول لها ولا قوة، وذلك على عكس الواق




كان هذا هو الواقع عام 67، بينما في رمضان عام 1393هـ كانت الحال على النقيض؛ إذ حقق الجيش المصري والسوري بفضل الله نصرًا كبيرًا دمَّر فيه خط بارليف "الحصين"، خلال ست ساعات فقط من بداية المعركة وأوقعت القوات المصرية خسائر كبيرة في القوة الجوية الإسرائيلية، ومنعت القوات الإسرائيلية من استخدام أنابيب النابالم بخطة مدهشة، كما حطمت أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهَر في مرتفعات الجولان وسيناء، وأُجبرت إسرائيل على التخلِّي عن العديد من أهدافها مع سورية ومصر، كما تم استرداد قناة السويس وجزء من سيناء في مصر، ومدينة القنيطرة في سورية




ولكن الفارق في الحقيقة ليس ناتجًا عن الاختلاف بين حالتي النصر والهزيمة فقط، وإنما يكمن السبب في الأوضاع التي سبَّبت الهزيمة في 67، والأخرى التي جاءت بالنصر في العاشر من رمضان।الفارق في أنَّ هناك معادلةً للنصر غابت عناصرها في يونيو 67؛ فانكسر الجيش، وضاعت سيناء، بينما تواجدت هذه العناصر في رمضان 1393هـ؛ فكان النصر. والسؤال هو: ما عناصر هذه المعادلة؟




لا يغيب عن عاقل أنَّ أول عناصر هذه المعادلة هو صدق الإيمان بالله ، والتوكل عليه؛ والرغبة في الجهاد في سبيله؛ فعلى حين كانت السيادة في المجتمع عام 67 للأفكار المادية متمثلة في الاشتراكية والوجودية والعلمانية، حتى صار قدوة المثقفين هو الفيلسوف الوجودي الملحد جان بول سارتر الذي استضافته الدولة رسميًّا، وكان المثل الأعلى للقادة السياسيين هو اليهودي مصطفى كمال أتاتورك الذي ألغى الخلافة الإسلامية، وحارب الإسلام محاربةً عنيفة، كما صارت الإباحية والعري سلوكًا طبيعيًّا معترفًا به على مستوى غالبية المجتمع।وكان مجموع الشعب بما فيه الجيش في غيبة عن المعاني الإيمانية، واليقين الصادق في الله عز وجل ، حتى صار الالتزام بتعاليم الإسلام رجعيةً وتخلفًا، بل تهمة يتبرَّأ منها الكثيرون، وكانت كلمة الجهاد في سبيل الله غريبة عن الأسماع فضلاً عن القلوب.




على حين كانت الحال كذلك غداة 5 يونيو 67، كانت الأحوال مختلفة في العاشر من رمضان 1393هـ؛ فلقد تحققت عناصر المعادلة؛ فعادت جموع الشعب إلى معاني الإيمان الحقيقية، وأدركت أن النصر بيد الله وحده، وأن البُعد عن منهج الله في الحياة، والاعتماد على المبادئ المستوردة الغريبة على أُمَّتِنا لم تَجْنِ منه الأمة إلا الانحرافات والهزائم।كما عادت روح الجهاد الغائبة إلى نفوس كلٍّ من الشعب والجيش، وكان الفضل في ذلك بعد الله سبحانه وتعالى لعلماء الأمة، الذين أخذوا يغرسون حُبَّ الجهاد في نفوس الشعب من خلال المساجد، وفي نفوس الجنود في ثكنات الجيش، حتى صارت قلوب الجنود شُعَلاً إيمانية متفجرة؛ فقد كان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله مجاهدًا بلساه وقلبه في صفوف الجيش كإمام وعالم يقود الصفوف في الصلاة، ويأخذ بأيدي الجنود والقادة إلى الله تعالى ، ويعلمهم أن الشهادة في سبيل الله هي أسمى المراتب التي يجب أن يضحي المسلم بروحه في سبيلها.




كما كانت الروح الإيمانية بارزةً في نفوس القادة العسكريين؛ فهذا هو البطل الفريق عبد المنعم رياض يذكر أهمية الاستعداد والأخذ بالأسباب لنستحق النصر الذي وعدنا الله به؛ فيقول: "إذا وفرنا للمعركة القدرات القتالية المناسبة، وأتحنا لها الوقت الكافي للإعداد والتجهيز، وهيأنا لها الظروف المواتية فليس ثمة شك في النصر الذي وعدنا الله إياه"، فهو هنا ينسب النصر المنتظر إلى الله وحده، وليس لعبقرية القيادة كما كان الوضع أيام يونيو 67.بالإضافة إلى ذلك كانت ألسنة الجميع جيشًا وشعبًا، جنودًا وقيادة تلهج إلى الله بالدعاء، متضرعة باكية راجية النصر على العدو، والشهادة في سبيله।




وقد تُوِّج ذلك كله بصيحة (الله أكبر) التي أطلقها الجنود ساعة العبور مؤمنين بمعناها حقيقةً لا تظاهرًا، وذلك ما جعلهم يُقبلون على ميدان القتال بقلب جسور يؤمن أنَّ لكل نفس أجلاً لا تتقدم عنه ولا تتأخر، ومن ثمَّ كانت الجائزة الإلهية حاضرة، متمثلةً في النصر الكبير الذي غيَّر من الأوضاع التي كانت قائمة، وأزاح الاحتلال الإسرائيلي عن سيناء، وحطَّم أسطورة الجيش الذي لا يُقهر।والعنصر الثاني في معادلة النصر كان هو تحقيق الوحدة بين المسلمين؛ إذ شهدت أيام رمضان 1393هـ وحدةً نادرة على المستويين: الداخلي والخارجي؛ فداخليًّا ورغم أن البلد كانت تموج بتيارات سياسية وفكرية مختلفة إلا أننا لم نجد صراعًا، ولا تنابذًا، بل تعاونًا واتحادًا، وعلى المستوى الخارجي كانت الوحدة في المواقف بارزةً؛ ومن آثارها الأنواع المختلفة من المساعدات التي قدمته الدول الإسلامية لمصر؛ فقد تبنَّى الملك فيصل رحمه الله قرارًا بمنع البترول عن الدول المؤيدة لإسرائيل، داعيًا الدول العربية المنتجة للبترول إلى ذلك قائلاً مقولته الشهيرة: "نحن كنّا ولا نزال بدوًا, وكنّا نعيش في الخيام, وغذاؤنا التمر والماء فقط، ونحن مستعدون للعودة إلى ما كنّا عليه".كما قدمت بعض الدول الإسلامية مساعدات اقتصادية؛ فخلال الأيام الأولى للحرب قدمت ليبيـا بمبلغ 40 مليون دولار، و4 مـلايين طن من الزيت، و قدمت المملكة الـعربيـة السعودية مبلغ 200 مليون دولار، وقدمت دولة الإمارات مبلغ 100 مليون دولار




وعلى صعيد المساعدات العسكرية؛ فقد ذكر الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان القوات المسلحة المصرية في حرب العاشر من رمضان في كتابه (مذكرات حرب أكتوبر) أنَّه توالت على الجبهة المصرية الأسلحة الآتية:


*سرب ميج 21 جزائريٌّ


* سرب سوخوى 7 جزائريّ


* سرب ميج 17 جزائريّ


* سربي ميراج ليبيـين واحد يقوده طيارون ليبيون وآخر يقوده مصريون


* سرب هوكر هنتر عراقي


* لواء مدرع جزائري


* لواء مدرع ليبي


* لواء مشاة مغربي


* لواء مشاة سوداني


* كتيبة مشاة كويتية


* كتيبة مشاة تونسية




أمّا الجبهة السورية؛ فقد وصلها ما يأتي :


* ثلاثة أسراب ميج 21 عراقية
* سرب ميج 17 عراقي


* فرقة مدرعة عراقية


* فرقة مشاة عراقية


* لواءين مدرعين أردنيين


* لواء مدرع مغربي




وذلك كله يجب ألا يُغَيِّب عنّا أهمية العنصر الثالث في معادلة النصر، ألا وهو الأخذ بالأسباب المادية؛ ففي الوقت الذي أُهمِل فيه هذا العنصر تمامًا في يونيو 67؛ إذ كان أغلب الجيش غائبًا عن التدريبات الجادة والمناورات العسكرية، والقادة مشغولون بملذاتهم، والأسلحة عتيقة، ولا أحد يفكر في تحديثها، أو في تحديث الخطط العسكرية، أو في محاسبة المقصرين والمهملين، بل يتم التستر عليهم، ومكافأتهم على تقصيرهم؛ لأنهم من أهل الثقة، كان الوضع مختلفًا في حرب العاشر من رمضان؛ إذ أصبح هناك اهتمام مستمر بالتدريب المستمر البدني والعسكري؛ فتم التدريب على اقتحام الساتر الترابي، وخط بارليف، كما تم الاهتمام بتطوير قدرات المقاتل، واهتمَّت القيادة يتطوير الأسلحة القديمة، وحاولت جلب كل ما تستطيعه من الطرز الحديثة منها




وقد اهتمت القيادة السياسية والعسكرية بالعمليات المخابراتية لاستجلاب المعلومات الخطيرة، التي تؤثر في سير الحرب، وشهدت تلك الأيام تنفيذ أعظم خطة خداع وتمويه في التاريخ العسكري الحديث؛ شاركت فيها أجهزة المخابرات ورئيس الدولة نفسه؛ بما كفل الاطمئنان الكامل للعدو الصهيوني بينما كانت الاستعدادات تتم في مصر وسوريا على قدمٍ وساق




لقد كان نصر العاشر من رمضان نموذجًا لنتيجة محاولة استكمال معادلة النصر، وحين تتم عناصر المعادلة كاملةً فسوف نرى نتيجة أعظم بإذن الله تعالى


نسأل الله عز وجل أن يُعيد ذكرى هذه الأيام على الأمة الإسلامية بانتصارات مجيدة يتم فيها تحرير كل أراضي المسلمين والمسجد الآقصي الآسير من العدو الصهيوني